مواضيع مماثلة
لائحة المساحات الإعلانية
لإضافة إعلاناتكم الرجاء
مراسلتنا على البريد الإلكتروني التالي
بحـث
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 156 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 156 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحثلا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 242 بتاريخ الأحد ديسمبر 01, 2013 9:22 am
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 57 عُضو.آخر عُضو مُسجل هو yaasaay فمرحباً به.
أعضاؤنا قدموا 563 مساهمة في هذا المنتدى في 551 موضوع
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
المدير العام | ||||
عاشقة الزهراء | ||||
سمير محمود الطائي | ||||
قدوتي زينب ع | ||||
الغضب الصدري | ||||
Aorn | ||||
يا صاحب الزمان | ||||
حسين | ||||
احمد علي حسين العلي | ||||
السيد عبد الحسين الاعرجي |
دروس في علم المنطق ـ المحاضرة السادسة
صفحة 1 من اصل 1
دروس في علم المنطق ـ المحاضرة السادسة
بسم الله الرحمن الرحيم
و به نستعين
النصّ :
} و الجهل على قسمين كما أنّ العلم على قسمين ، لأنّه يُقابل العلم فيبادلَه في موارده ، فتارةً يُبادل التصوّر أي يكون في مورده ، و أُخرى يُبادل التصديق أي يكون في مورده ، فيصحّ بالمناسبة أن نُسمّي الأول ( الجهل التصوّري ) ، و الثاني ( الجهل التصديقيّ ) { .
ـــــــــــــــــــ0
الشرح :
إشارة لما سبق ، و مقدِّمة لهذا المطلب :
كان الكلامُ في أقسام الجهل ، و قلنا فيما سبق بأنّ العلم ينقسم إلى التصوّر و التصديق ، و بيّنا ما هي الموارد التي يتعلّقُ بها التصوّر و ما هي تلك الموارد التي يتعلّقُ بها التصديق ؛ و أمّا ما هو الجهل فقد بيّنا بأنّ الجهلَ هو عدمُ العلم ، فإذن ، النسبةُ بين الجهل و العلم هي نسبةُ العدم و الملكة ، و الفرقُ بين العدم المطلق و بين عدم الملكة ، بيانُه ـ إنشاء الله سيأتي في محلّه في كلامنا عن الفرق بين النقيضين و عدم الملكة ما هو ، و لكّنه بنحو الإجمال ، عدم الملكة يعني يصحّ وجود الملكة ، يعني لا نقول هذا الكتابُ جاهلٌ ، لا يصحُّ هذا الإطلاق ، لماذا ؟ نقول : لا يصحّ ، باعتبار أنّ العلم لا يصحُّ في هذا المورد ، حيثُ أنّه لا يصدُقُ على هذا المورد أنّه عالمٌ فإذن عدمُ العلم أيضاً لا يصدُقُ على هذا المورد فلا يصدُقُ أنّه جاهلٌ ، لا يُطلقُ على هذا الكتاب أنّه أعمى ، باعتبار أنّه لا يصحُّ البصرُ هنا في الكتاب .
إذن ، عدمُ الملكة إنّما يصحُّ في موردٍ تصحُّ الملكة في ذلك المورد ، و مع عدم تحقّق الملكة في ذلك المورد فلا يصحُّ عدم الملكة أيضاً ، فإذن ، الجهل الذي هو عدمُ العلم ليس المرادُ من الجهل عدمُ العلم مطلقاً و إلاّ لو كان المرادُ من الجهل عدمُ العلم مطلقاً ، فالكتاب ليس بعالم و لمّا لم يكن عالماً فلا بدّ أن يصدُق أنّه جاهلٌ مع أنّه لا يصدُق أن نقول هذا الكتاب جاهلٌ ، فإذن ، ليس المرادُ من الجهل عدمُ العلم مطلقاً و إلاّ لصدُق الجهلُ و الجاهلُ على الجدار ، بل المرادُ من الجهل عدمُ العلم في موردٍ يصحُّ فيه العلم كالإنسان فإنّه يصدُقُ عليه أنّه جاهلٌ ، و يصدُقُ عليه أنّه أعمى ، و السبب لأنّه يصحُّ في الإنسان العلم فيُقالُ عالمٌ ، و يصحُّ فيه البصر فيُقالُ بصيرٌ .
الآن ، هنا نأتي إلى العلم ، و نحن قلنا أنّه : عندنا علمٌ تصوّري ، و عندنا علمٌ تصديقي ، و إذا كان عندنا للعلم علمٌ تصوّري، و عندنا علمٌ تصديقي ، فإنّه أيضاً يكون عندنا للجهل : جهلٌ تصوّري في قبال العلم التصوّري لأنّ الجهل التصوّري قسمٌ من أقسام العلم ، و جهلٌ تصديقيّ في قبال العلم التصديقي لأنّ الجهل التصديقيّ أيضاً قسمٌ من أقسام العلم ؛ فالجهلُ يكونُ جهلاً تصديقيّاً .
و من هنا قالوا : بأنّ الأعدام بما هي أعدام لا تتمايز ، العدم بما هو عدمٌ لا ميّز فيه ، لماذا ؟ قالوا : لأنّ العدم ليس بشيء ، نعم الأشياء تتمايز ، الموجودات تتمايز بعضُها عن بعض ، تقول : هذا الموجود غيرُ هذا الموجود ، أمّا المعدوم فهل يتمايز أو لا يتمايز ؟ قالوا : العدمُ المطلق ، العدم لا يتمايز و لكن إذا نسبت العدم إلى وجودٍ فإنّه يتمايز كما لوقلتُ : أنّ عدم البصر هو غيرُ عدم السّمع ، فعدم البصر نحو من عدم ، و عدم السّمع نحو آخر من عدم و هي أقسامُ الملكات ، إلاّ أنّه هناـ المصنّف ـ الشيخ المظفر ( رحمةُ الله تعالى عليه ) يقول : و الجهل ينقسم إلى جهل تصوّري و إلى جهل تصديقي ، فهه العبارة ( و الجهلُ ) أعمُّ من أن يكون جهلاً بسيطاً أو جهلاً مركّباً ، فكأنّ المصنّف يُريد أن يقول : أنّ الجهل مطلقاً أعمُّ من أن يكون بسيطاً أو أن يكونَ مركّباً .
الجهل البسيط و الجهل المركّب :
ــــــــــــ
الجهل البسيط : هو أن تجهَلَ بشيءٍ و تعلمُ أنّك جاهلٌ به ، إذن ، يوجدُ عندك هنا جهلين أو جهلٌ واحد ؟ نقول : حهلٌ واحد و لنُسمّيه جهلاً بسيطاً ، لماذا ؟ لأنّك عالمٌ بجهلك ، أنت جاهلٌ بأنّ زوايا المثلث تساوي قائمتين ، فهنا أنت جاهلٌ ، و لكن تجهل أنّك تعلم ؟ يقول : بأنّ الجهل البسيط هو المركّب من جهلٍ و علمٍ ـ بعد ذلك إنشاء الله سنرى المفارقة ـ إذن ، هو جهلٌ بسيط و لكن تبيّن أنّه مركّبٌ من جهلٍ و من علمٍ ، توجد هنا مفارقة سنُبيّنُها .
الجهل المركّب : و هو أن تجهلَ الشيء : تجهل هنا ليس بمعنى تغفل و إنّما بمعنى تعلمُ أنّك عالمٌ ، يعني تعتقدُ أنّك عالمٌ و لست بجاهل ، لا بمعنى تجهل أنّك جاهلٌ ، و إلاّ لو علمت بأنّك جاهلٌ يكون هذا جهلٌ بسيط لا مركّب : فإذن ، الجهل هنا صار جهلٌ واحد أو جهلين ؟ نقول : جهلين و هما : جهلٌ بالواقع و جهلٌ بأنّك تجهل الواقع ، و الآن توضّح الفرق بين الجهل البسيط و الجهل المركّب .
هنا عبارة الماتن ، يقول ( و الجهلُ ) : يعني ( الجهل ) أعمّ من أن يكون بسيطاً أو أن يكون مركّباً ، و الجهل ينقسم إلى : جهلٍ تصوّري و إلى جهلٍ تصديقي ، و لكنّ هذا الكلام على إطلاقه غيرُ تامٍّ ، لأنّ الذي ينقسمُ إلى التصوّري و إلى التصديقي هو الجهل البسيط و ليس الأعمّ من من البسيط و المركّب ـ الجهل مطلقاً ـ ، و السبب : باعتبار أنّ الجهل المركّب قسمٌ من أقسام التصديق فيكونُ داخلاً في العلم لا أنّه يكون داخلاً في الجهل .
إعادة للمطلب :
ـــــــ
أنّ الجهلَ المركّب هل فيه اعتقادٌ بأنني عالمٌ أو لا يوجدُ اعتقاد ، و نحن ـ فيما سبق ـ عرّفنا اليقين بالمعنى الأعمّ بأنّه : الإعتقادُ الجازم ، و لم نشترط فيه المطابقة للواقع ، و هنا في " الجهل المركّب " هل يوجدُ اعتقادٌ جازم أو لا يوجد اعتقادٌ جازم ؟ و هل هو من أقسام العلم أو من أقسام الجهل ؟ فيكون من أقسام العلم ، فيكون من أقسام اليقين ، من أقسام التصديق ، و إذا صار من أقسام التصديق فالجهل المركّب يكون داخلاً في بحث الجهل أو في بحث العلم ؟ إذن ، الجهل إمّا تصوّري و إمّا تصديقي ، فهنا يكون في العلم البسيط لا في الجهل الأعمّ من الجهل البسيط و الجهل المركّب ـ الجهل مطلقاً ـ .
و شاهدُه : ما ذكره الشيخ الرئيس ( رحمةُ الله تعالى عليه ) في كتاب " الإشارات " في الجزء الأول ، الصفحة 23 ، هناك قال : الجهلُ البسيط يُقابلُ العلم و ليس الجهل يُقابل العلم تقابُل العدم و الملكة ، و هنا عبارة المصنّف أن تكون لا يقابل العلم تقابل العدم و الملكة ، و لكنّه عبارة الشيخ في " الإشارات " أنّ الجهل البسيط يُقابلُ العلم تقابل العدم و الملكة ، أمّا الجهل المركّب فلا يُقابل العلم تقابل العدم و الملكة بل يُقابلُ العلم تقابل الضدّين ، و سنُبيّنُه بعد ذلك .
إذن ، المطلب الأول في عبارة الشيخ المظفر ( رحمةُ الله تعالى عليه ) لا بدّ أن تكون : و الجهلُ البسيط على قسمين ، لا الجهلُ على قسمين باعتبار أنّ الجهل المركّب ليس من أقسام الجهل بل هو من أقسام العلم و إن قال هو بعد ذلك بأنّ الجهل المركّب هو في قبال العلم ، بل سنُثبِتُ له بأنّ الجهل المركّب هو علمٌ و ليس أنّه في قبال العلم .
( و الجهلُ على قسمين كما أنّ العلم على قسمين ) : قلنا فيما سبق ، تصحيح العبارة يجب أن يكون هكذا : " و الجهل البسيط على قسمين " جهلٌ تصوّري و جهلٌ تصديقيّ ، و هذه هي أقسام الجهل البسيط الذي نسبتُه إلى العلم نسبةُ العدم و الملكة .
( لأنّه ) : أي الجهل البسيط .
( يقابل العلم ) : تقابل العدم و الملكة ، فإذن تبيّن أنّ الجهل البسيط هو الذي يقابل العدم و الملكة و ليس مطلق الجهل، فإنّ الجهل المركّب قسمٌ من أقسام العلم لا أنّه يُقابل العلم تقابل العدم و الملكة .
( فيبادلُه في موارده ، فتارةً يبادل التصوّر ) : علمٌ تصوّري قباله عدم ملكة ، و عدمُ علمٍ تصوّري نُسمّيه " الجهل التصوّريّ " .
( أي يكونُ في مورده ) : أي في مورد التصوّر .
( و أُخرى يبادل التصديق أي يكون في مورده ) : أي في مورد التصديق ، علمٌ تصديقيّ قباله عدمُ العلم التصديقي ، يعني " الجهل التصديقيّ " .
( فيصُحُّ بالمناسبة أن نُسمّي الأول " الجهل التصوّري " ، و الثاني " الجهل التصديقيّ " ) : إلى هنا اتّضح لنا بأنّ الجهل البسيط ينقسم إلى الجهل التصوّري و إلى الجهل التصديقيّ .
النصّ :
} ثمّ إنّهم يقولون إنّ الجهل ينقسم إلى قسمين : بسيط و مركّب ، و في الحقيقة أنّ الجهل التصديقيّ خاصّة هو الذي ينقسم إليهما ، و لهذا اقتضى أن نقسّم الجهل إلى تصوّري و تصديقيّ ، و نُسمّيهما بهذه التسمية . أمّا الجهل التصوّري فلا يكون إلاّ بسيطاً ، كما سيتّضح { .
ـــــــــــــــ0
الشرح :
( ثمّ إنّهم يقولون ... ) : هذه العبارة أيضاً غيرُ تامّةٍ ، لماذا ؟ الآن ، أولاً نبيّن ماذا يُريد المصنّف أن يقول ، يقول الشيخ المنظفر ( رحمةُ الله تعالى عليه ) : " بأنّ الجهل ينقسمُ إلى بسيطٍ و مركّب " هذا التقسيم كان ينبغي أن يجعله أولاً و ليس الآن يجعله ، يعني أولاً يُقسّم الجهل إلى بسيط و مركّب ، ثمّ يقول : البسيط إمّا تصوّري و إمّا تصديقي ، و ليس أن يقول : الجهل كذا ثمّ يُقسّمُه إلى جهلٍ تصوّري و إلى جهلٍ تصديقيّ .
( ثمّ إنّهم ) : أي المناطقة .
( يقولون : إنّ الجهل ينقسم إلى قسمين : بسيط و مركّب ، و في الحقيقة أنّ الجهل التصديقي خاصّة هو الذي ينقسم إليهما ) : أي يريد المصنّف أن يقول : هذا الإنقسام إلى بسيط و مركّب ، في الجهل التصديقي نحن عندنا جهل بسيط و جهل مركّب ، أمّا في الجهل التصوّري فلا يوجد عندنا جهل بسيط و جهل مركّب ؛ فإذن ، تقسيمُ الجهل إلى بسيطٍ و مركّب ، هذا التقسيم مختصٌّ بالجهل التصديقي لا أنّه تقسيمٌ للجهل التصوّري و التصديقي معاً . و أمّا الجهل التصوّري فلا يكون إلاّ بسيطاً
سؤال / الجهل التصوّري يُمكن أن يكونَ مركّباً أو لا يُمكن أن يكون مركّباً ؟ نقول : لا يُمكن ، لماذا لا يُمكن ؟ نقول : لأنّه نحن في الجهل المركّب يوجد عندنا تصديق ، أمّا في الجهل البسيط فإنّه أساساً تصديق لا يوجد عندنا ، فإذن لا يُعقل أن يكون الجهل التصديقي في غير الجهل المركّب .
إذن ، المصنّف يُريد أن يقول : بأنّ الجهل التصديقي هو الذي ينقسم إلى بسيطٍ و إلى مركّب ، لأنّ الجهل التصديقي يوجد فيه تصديق فيُمكن أن يكون بسيطاً و يُمكن أن يكون مركّباً و ذلك لوجود التصديق فيه ، و لكن الجهل التصوّري لا يوجدُ فيه تصديق ، و إذ لم يوجد فيه تصديق فلا معنى لأنْ ينقسمَ إلى بسيطٍ و إلى مركّب .
( أمّا الجهل التصوّري فلا يكون إلاّ بسيطاً ) : لماذا ؟ نقول : باعتبار أنّ الجهل الاتصوريّ لا يوجد فيه تصديق حتّى يكون فيه جهلاً مركّباً .
النصّ :
} و لنبيّن القسمين ، فنقول :
الجهل البسيط : أن يجهل الإنسان شيئاً و هو ملتفتٌ إلى جهله ، قيعلم أنّه لا يعلم ، كجهلنا بوجود السكّان في المرّيخ ، فإنّا نجهل ذلك ، و نعلم بجهلنا ، فليس لنا إلاّ جهلٌ واحد { .
ــــــــــــــــ0
الشرح :
الجهل البسيط : أن يجهل الإنسان شيئاً و هو ملتفتٌ إلى جهله ، يعني عالمٌ بجهله .
الجهل المركّب : أن يجهلَ الإنسان شيئاً و يعتقد أنّه عالمٌ بذلك الشيء .
سؤال / و هو أنّه سيأتي من المصنّف ـ بعد ذلك ـ لكي تكونُ القسمةُ صحيحة لا بدّ أن تكونَ جامعة و مانعة ، و هنا تقسيمُ الجهل إلى البسيط و إلى المركّب ، هل هذه القسمة قسمة جامعة مانعة أو ليست جامعة مانعة ؟ المفروض أن تكون جامعة مانعة ، لماذا ؟ نقول : لأنّ العلمَ هنا جامعٌ مانعٌ ، هناك عندما قلنا : أنّ العلم إمّا تصوّرٌ و إمّا تصديق ، كان العلم جامعاً مانعاً ، و هنا أيضاً لا بدّ أن يكون الجهل جامعاً مانعاً ؛ و لكن على هذا المعنى الذي ذكره للجهل البسيط لا يكونُ الجهلُ جامعاً مانعاً .
أمّا لماذا لا يكون جامعاً ؟ نقول : لو كان جاهلاً و غافلاً عن جهله ، فهنا لا يدخل في الجهل البسيط و لا في الجهل المركّب ، لأنّ الجهل البسيط هو الإلتفاتُ إلى جهله و هنا هذا غافلٌ عن جهله ، و الجهل المركّب هو الإعتقادُ بأنّه عالمٌ و هنا هذا غافلٌ عن تلك المسألة ، فإذن ، يبقى عندنا " الجاهل الغافل " و الجاهل الغافل لا هو داخلٌ في الجهل البسيط و لا هو داخلٌ في الجهل المركّب ، فلا يكونُ الحصرُ جامعاً .
إذن ، هذا التفسير الذي ذكره المصنّف للجهل البسيط غيرُ تامٍّ ، و إنّما التفسير الصحيح للجهل البسيط هو : أن يجهلَ الشيء سواءٌ التفت إلى جهله أو غفلَ عن جهله .
فإذاُ ، الجهلُ البسيط ، هو : عدمُ ملكة العلم سواءٌ التفتَ الجاهلُ إلى جهله و عَلِمَ بأنّه جاهلٌ أو كان غافلاً عن جهله . هذا هو الجهلُ البسيط و في قباله يكون الجهل المركّب ، و هو : الذي يجهل الشيء و يعتقدُ أنّه عالمٌ بذلك الشيء ، و في هذا يكون الحصرُ حصراً جامعاً ، و القسمةُ تكونُ قسمةً عقليّة ، و إلاّ لو كان الأمرُ على ما ذكره المصنّف لم يصُحْ تقسيمُ الجهلِ إلى البسيط و المركّب ، فإنّ التقسيم بناءً على هذا المعنى لا يكونُ حاصراً و ذلك لخروج الجاهل الغافل ، و سيأتي من المصنّف ـ إنشاء الله تعالى ـ بعد ذلك ، أنّ التقسيم لكي يكونَ صحيحاً لا بدّ أن يكونَ جامعاً مانعاً ، و هنا هذا التقسيمُ لا يكونُ جامعاً .
إذاُ ، نُصحّح هذا " الجهل البسيط " بالقول هكذا : أنّه " أن يجهل الإنسانُ شيئاً سواءٌ التفت إلى جهله أم كان غافلاً عن جهله " .
( الجهل البسيط : أن يجهل الإنسان شيئاً و هو ملتفتٌ إلى جهله ) : تبيّن أنّ هذا التعريف غيرُ تامّ .
ملاحظة : ليكن في علم الأُخوة ، أنّه العلم أيضاً قد يكونُ علماً بسيطاً و قد يكونُ علماً مركّباً .
العلم البسيط ، هو : العلم الحُضوري ، فإذا علمت بعلمك فيكونُ علمُك مركّباً ، عالمٌ و تعلمُ أنّك عالمٌ ؛ فمرّةً الإنسان لديه علم و لكنه غافلٌ عن أنّه يعلم به ، أنت تعلم أنّ اثنين زائد اثنين يساوي : أربعة ، و لكن أنت غير ملتفتٍ إلى علمك بنتيجة جمع هذين العددين ، فأنت غافلٌ عن علمك ، و لذا نقول أنّ العلم الحضوري قد يحصلُ غفلةً عنه بلحاظ العلم الحصوليّ ، و من هنا بعض الأُخوة سئلوا ، سيّدنا : بأنّ العلم الحضوري إذا كان فكيف ينسجمُ مع الغفلة ؟ قلنا : العلم الحضوري لا ينسجمُ مع الغفلة و لكن ينسجم مع الغفلة عنه ، يعني تعلم و لكن لا تعلم أنّك تعلم ، أي جاهلٌ بأنّك تعلم ، هذا نُسمّيه " علم بسيط " ، و أمّا العلم بأنّك عالم فنُسمّيه " علم مركّب " .
النصّ :
} الجهل المركّب : أن يجهل شيئاً و هو غيرُ ملتفتٍ إلى أنّه جاهلٌ به ، بل يعتقد أنّه من أهل العلم به ، فلا يعلم أنّه لا يعلم ، كأهل الإعتقادات الفاسدة الذين يحسبون أنّهم عالمون بالحقائق ، و هم جاهلون بها في الواقع .
و يسمّون هذا مركّباً ، لأنّه يتركّب من جهلين : الجهل بالواقع و الجهل بهذا الجهل . و هو أقبحُ و أهجنُ القسمين . و يختصّ هذا في مورد التصديق ، لأنّه لا يكونُ إلاّ مع الاعتقاد { .
ــــــــــــــــــ0
الشرح :
هؤلاء أصحاب الجهل المركّب ، و كم لهم نظير خصوصاً بين العلماء بالمعنى الأعمّ لا العلماء بالمعنى الأخصّ ، و هو أنّ الإنسان يتصوّر مطلباً ما أنّه هو الصحيح و لكن في الواقع هو جاهلٌ به و جاهلٌ بأنّ هذا الذي يعلمُه باطل .
( و يختصّ هذا في مورد التصديق ، لأنّه لا يكونُ إلاّ مع الاعتقاد ) : أي باعتبار أنّه في التصديق يوجدُ اعتقدٌ بأنّه عالمٌ ، قال : لأنّه لا يكونُ إلاّ مع الاعتقاد .
إذن ، إلى هنا ، المصنّف ( رحمةُ الله تعالى عليه ) بيّن الجهلَ البسيط و الجهلَ المركّب ؛ و لكنّه لا بدّ أن نقول : بأنّ الجهلَ البسيط هو الذي ينقسمُ إلى التصوّري و إلى التصديقي ، أمّا الجهل المركّب فهو ليس من أقسام الجهل بل هو من أقسام العلم .
نكتة مهمّة :
ــــ
نحن بماذا عرّفنا الجهل ؟ نحن عرّفنا الجهل بأنّه : عدمُ العلم ، و في الجهل المركّب يوجدُ عدم العلم أو يوجد اعتقادٌ بالشيء ؟ نقول : في الجهل المركّب يوجدُ علمٌ و إن كان العلم الموجود فيه غيرُ مطابقٍ للواقع ، فإذن ، الجهل المركّب من أقسام الجهل أو أنّه خارجٌ من الجهل ؟ نقول : خارجٌ من الجهل ، لأنّه يقين بالمعنى الأعمّ ، و اليقين بالمعنى الأعمّ ، هو : الاعتقاد الجازم أعمُّ من أن يكونَ مطابقاً للواقع أو أن يكونَ مخالفاً للواقع ، إذن ، الاعتقاد الجازم الذي هو علمٌ ، تصديقٌ ، قسمان : قسمٌ منه يُطابق الواقع ، و قسمٌ منه يُخالف الواقع ، و لكن كلاهما علمٌ و كلاهما تصديق ، و النسبةو بينهما هي نسبةُ المتضادّين لا نسبة العدم و الملكة ، لأنّ الجهل المركّب ليس عدمُ العلم ، و لكنّه اعتقادٌ ، أي علمٌ و لكنه غير مطابقٍ للواقع ، فالنسبةُ بين العلم المطابق للواقع و العلمِ غيرِ المطابق للواقع هي نسبةُ التضادّ ، و من هنا فإنّ العلم غير المطابق للواقع ، يعني الجهل المركّب يكونُ خارجاً من الجهل و من أقسام الجهل ، لأنّ الجهلَ هو عدمُ العلم ، و أيُّ جهلٍ هو عدمُ العلم ؟ نقول : الجهل الذي هو عدمُ علمٍ هو الجهل البسيط لا الأعمُّ من البسيط و المركّب .
فلهذا ، هذه العبارة إذا أردتم تصحيحها ، و هي العبارة الأخيرة " البسيط و المركّب الذي جعله من أقسام الجهل " فالعبارة يجب أن تُصحّح هكذا : كما أنّ الجهلَ يُطلقُ على ما يقابل العلم تقابل العدم و الملكة و هو الذي يُسمّى بالجهل البسيط يُطلقُ أيضاً على التصديق ـ أي هذا الجهل يُطلقُ أيضاً على التصديق ـ الجازم الذي لا يُخالفُ الواقع و يقابل العلم بمعنى التصديق الجازم المطابق للواقع و لكن يُقابلُه تقابل التضادّ لا تقابل العدم و الملكة .
فالجهلُ مشتركٌ لفظي بين البسيط و بين المركّب ؛ و لعلّ منشأ وقوع الشيخ المصنّف ( رحمةُ الله تعالى عليه ) في الخلط هو هذا الإشتراك اللفظي في الجهل ، فإنّ المصنّف تصوّر أنّ الجهل له معنىٍ واحد و هو عدمُ العلم ، و تبيّن خلاف ما تصوّره و هو أنّ الجهل له معنيان : " عدمُ العلم " ، و " الاعتقاد غير المطابق للواقع " و هذا الاعتقاد أيضاً علمٌ و لكنه غيرُ مطابقٍ للواقع .
نأتي الآن إلى محِلّ الكلام :
النصّ :
} ليس الجهل المركّب من العلم :
يزعُم بعضهم دخول الجهل المركّب في العلم ، فيجعله من أقسامه ، نظراً إلى أنّه يتضمن الاعتقاد و الجزم و إن خالف الواقع . و لكنّا إذا دققنا تعريف العلم نعرف ابتعاد هذا الزعم عن الصواب ، و أنه أي هذا الزعم من الجهل المركب ، لأنّ معنى ( حضور صورة الشيء عند العقل ) أن تحضر صورة نفس ذلك الشيء ، أمّا إذا حضرت صورة غيره بزعم أنها صورته فلم تحضر صورة الشيء ، بل صورة شيء آخر زاعماً أنها هي { .
ـــــــــــــــــ0
الشرح :
هنا الشيخ المصنّف ( رحمةُ الله تعالى عليه ) يقول : ليس الجهل المركّب من العلم ، لماذا ؟ يقول ، بدليلين :
الدليل الأول : ( يعني يريد أن يجعل الجهل المركّب في قبال العلم ) يعني يُدخله في " عدم الملكة " لا في التضادّ : هو تعريفُ العلم ، فتعريف العلم ، هو : حضور صورة الشيء عند العالم ، و في الجهل المركّب لم تحضر صورة الشيء و إنما حضرت صورةُ شيءٍ يعتقدُ أنّها في الواقع و هي ليست موجودة في الواقع . هذا الدليل الأول .
الدليل الثاني : أنّ الجهل في قبال العلم أو لا ؟ نعم ، لأنّ الجهل في قبال العلم ، فإذا قلنا أنّ الجهلَ المركّب علمٌ يلزم أن يكونَ الجهلَ المركّب قسماً من أقسام مقابلِه ، و هو محالٌ ، أنت عندما تقول : الكلمةُ إمّا إسمٌ أو فعلٌ أو حرف ، فهذه القسمة تقول : أنّ الكلمة عندما صارت اسماً فهل يُمكن أن تكون فعلاً ؟ و إذا صار الإسمُ فعلاً فإنّ التقسيم غير مصيب ، لماذا ؟ لكون بعض الأقسام داخلاً في القسم الآخر ، و أنت عندما قلت : العلمُ يُقابلُه الجهل فالجهل هو " عدمُ العلم " فلو جئنا إلى الجهل المركّب و قلنا هو " علمٌ " فإنه يلزم أن يكونَ هذا القسم من أقسام مقابله ، و هو محالٌ .
إذن ، دليلُ المصنّف ( رحمةُ الله تعالى عليه ) باختصار هو :
أولاً / ما هو تعريفُ العلم ؟ يقول : لا يصدُق على الجهل المركّب .
ثانياً / أنّه يلزمُ أن يكون الجهلُ قسماً من أقسام مقابله و هو العلم ، مع أنّ الجهل يُقابلُ العلم .
و ذلك لوجهين :
أمّا النقض ، نُجيبُ على هذا الاستدلال بجوابين :
الجواب الأول : نسأل منكم ، أنّ الوهمَ و الشكّ هل هما من أقسام الجهل أو من أقسام العلم ؟ تعالوا معنا إلى الصفحة ( 18 ) قال ( تنبيهٌ ) : " يُعرفُ ممّا تقدّم أمران : أنّ الوهم و الشكّ ليسا من أقسام التصديق بل هما من أقسام الجهل " فإذا كان الوهم و الشكّ من أقسام الجهل ـ كما قال المصنّف فيما سبق ـ ثمّ أنّ الوهم و الشكّ علمٌ أو جهلٌ ؟ علمٌ ، لأنّه من أقسام التصوّر و التصوّر قسمٌ من أقسام العلم .
إذن ، الجواب النقضي له أنّه : شيخنا أنت قلت في الصفحة ( 18 ) أنّ الوهم و الشكّ مع أنّهما من أقسام الجهل داخلان في العلم التصوّري ، و هذال معناه أنّه ينسجم أن يكونَ من أقسام الجهل التصديقي و إن كان من أقسام العلم التصوّري ، و إذا تتذكّرون أننا هناك قيّدناه ، قلنا قيّدوه أنّ هذا من أقسام الجهل التصديقي و إلاّ هو داخل في أقسام العلم التصوّري ، مع أنّه ينسجم الجهل مع العلم بقرينة ما تقدّم . الآن نحن الجواب النقضي لا حاجة لنا به . بل المهم هو نأتي إلى الجواب الحلّي ، و هو أنّه : هذا الاشكال الذي ذكره ـ باعتبار أنّه يحملُ حملة شعواء على الذين يقولون أنّ الجهل المركّب هو من أقسام العلم ـ يقول : و هذا الدعم من الجهل المركب ، يقول : من يدّعي أنّ الجهل المركب من أقسام العلم فهو جاهلٌ مركّب .
هذه الحملة منة المصنّف ، تستحق الوقوف عندها ، و هو : أنّه شيخنا لنرى أنّ الجهل المركّب هل هو في المقابل أو أنّ الجهل المركب في هذا ، نحن نريد أن نفهم المطلب يا شيخنا ! فمرّةً ـ يا شيخنا ـ أنت تبيّن المطلب فلا وجود لحملة ما لك على أحد ، و مرّة لديك هجوم على المقابل ، و المقابل هم أساطين المنطق ، لأنّ القائلين ـ بل كما سنُبيّن ـ لم نجد قائلاً بأنّ الجهل المركب ليس من أقسام العلم إلاّ الشيخ المظفّر ، كلّ المناطقة يُجمعون على أنّ الجهل المركب قسمٌ من أقسام العلم و ليس قسماً من أقسام الجهل ، باستثناء الشيخ المظفر . نقول : هنا فوائد يجب أن تكتبوها لستفيدوا منها في مواردها بالمقدر المرتبط بحديثنا :
معاني العلم
ــــ
المعنى الأول : فتارةً يُطلق العلم و يُراد منه مطلقُ العلم ، أي الأعمُّ من الحصولي و الحضوري ، أي مطلقُ الإنكشاف أعمُّ من أن يكون انكشاف وجود شيء أو انكشاف صورةُ الشيء ، هذا المعنى الأول يُطلق عليه العلم في كتب المناطقة و الفلاسفة .
المعنى الثاني : يُطلقُ العلم و يُرادُ منه معنىً أخصّ من الأول ، أي يُرادُ به مجرّد العلم الحصولي ، مطلقُ انكشاف صورة الشيء عند العالم ، فصورة الشيء يكون العلم الحصولي أخصُّ من النوع الأول فالأول يشمل الحصولي و الحضوري و هذا لا يشمل إلاّ العلم الحصولي . و هذ القسم الثاني أعمّ من التصوّر و من التصديق .
المعنى الثالث : الاعتقادُ الراجح سواءٌ كان يمنعُ من النقيض أو لا يمنعُ من النقيض ، و هذا هو المراد منه " التصديق " أي التصديق بالمعنى الأعمّ لا اليقين ، فنحن ـ قلنا فيما سبق ـ أنّ التصديق بالمعنى الأعمّ يشمل فردين هما : اليقين بالمعنى الأعمّ ، و الظنّ ؛ قد يُطلقُ العلم و يُراد منه مطلق الاعتقاد الراجح أعمٌّ من أن يكون مانعاً من النقيض أو لا يكون مانعاً من النقيض فيشمُلُ التصديق بالمعنى الأعمّ ، و التصديق بالمعنى الأعمّ هو : ما يشمل اليقين و أخصّ من المعنى الثاني للعلم ، باعتبار أنّ المعنى الثاني كان يشمل التصور و التصديق و هذاـ المعنى الثالث ـ مختصٌّ بالتصديق ، اكتبوا عندكم : مطلق الاعتقاد الراجح سواءٌ منع من النقيض أم لا ، و يُقال له " العلمُ بالمعنى الأعمّ " فيشمُلُ الظنّ و الجزم ، و هذا مرادفٌ للتصديق في قبال التصوّر ، فيكون أخصّ من المعنى الثاني .
المعنى الرابع : قد يُطلق العلم و يراد منه الاعتقاد الجازم المانع من النقيض ، فيخرج الظنّ ، باعتبار أنّه اعتقادٌ راجحٌ يمنعُ من النقيض الذي هو في قبال الاعتقاد و الذي هو ـ أي النقيض الذي في قبال الاعتقاد ـ الظنّ ، فالظنّ اعتقادٌ راجح و لكن لا يمنع من النقيض . هذا المعنى الرابع أخصُّ من المعنى الثالث ، لأنّ الثالث كان يشمل العلم ، اليقين المانع من النقيض ـ الظنّ ـ ، فإذن ، المعنى الرابع هو : الجزم ، و هو الاعتقاد الراجح المانع من النقيض ، و قد يُطلقُ عليه " العلمُ بالمعنى الأخصّ " و يُقابلُه " الظنّ " .
المعنى الخامس : و قد يُقالُ علمٌ و يراد به الاعتقاد الجازم المطابق للواقع ، فيخرج الجهل المركّب ، فإذن ، هذا المعنى الخامس من العلم يقابله الجهل المركّب .
المعنى السادس : و قد يراد من العلم : الاعتقاد الجازم المطابق للواقع الثابت لا عن تقلدٍ : يقابله ذلك الاعتقاد المطابق للواقع ، الثابت عن تقليد ، أي اليقين بالمعنى الأخصّ ، و هذا الذي هو يقين بالمعنى الأخصّ لا حاجة لنا به هنا ، بل نكتفي بالمعاني الخمسة . فصار لدينا للعلم خمسة معاني :
المعنى الأول : أعمُّها .
المعنى الثاني : أخصُّ من الأول .
المعنى الثالث : أخصُّ منهما ـ الأول و الثاني ـ .
المعنى الرابع : أخصُّ من الجميع ـ الأول و الثاني و الثالث ـ .
المعنى الخامس : أخصُّ من الأربعة السابقة .
الذي لا يُطلق عليه الجهل المركب من هذه المعاني المتقدّمة هو المعنى الخامس ، و أمّا المعاني الأربعة فيطلق عليها الجهل المركب .
فتصوّر الشيخ ( رحمةُ الله تعالى عليه ) إن لم يطلق عليه العلم بالمعنى الخامس فلا يُطلقُ عليه العلم مطلقاً و ليس الأمرُ كذلك فإنه لا يطلقُ عليه علم بالمعنى الخامس فقط و إلاّ فإنه يُطلقُ عليه العلم بالمعنى الرابع و الذي هو : الاعتقاد الجازم ، ففي المركّب يوجد لدينا اعتقادٌ جازم و لكن هذا الاعتقاد الجازم غير مطابق للواقع ، و في المعنى الرابع من معاني العلم نحن لا نريد المطابقة و عدم المطابقة بل نريد أنّ مطلق الاعتقاد الجازم هو علمٌ .
إذن ، الجهلُ المركّب هل هو من أقسام الجهل أو من أقسام العلم ؟ نقول : من أقسام العلم أولاً ، و لكن من أيّ قسم من أقسام العلم ؟ نقول : من أقسام الأول و الثاني و الثالث و الرابع ، فهذه كلّها بهذه المعاني يُطلقُ عليها علمٌ ، نعم ، لا يُطلقُ عليه ـ أي الجهل المركب ـ علمٌ بالمعنى الخامس و لا ضير فيه ، إذن ، مجرّد عدم انطباق الأخصّ لا يستلزمُ عدم انطباق الأعمّ .
و منشأ الخلط و المغالطة هو تصوّر الشيخ المصنّف ( رحمةُ الله تعالى عليه ) أنّ العلم له معنىً واحد و ليس الأمرُ كذلك ، فلهذا قال : عدم دخول الجهل المركب في العلم بالمعنى الخامس لا يستلزمُ خروجُ الجهل المركّب عن المعاني السابقة للعلم ، كما أنّ عدم دخول الظنّ في العلم بالمعنى الرابع لا يستلزمُ خروجه عن العلم بالمعنى الثالث و هكذا . فاتضح أنّ المغالطة نشأت من اشتراك لفظة العلم و أنّ الحقّ كونُ الجهل المركب علماً و لكن بالمعنى الرابع لا بالمعنى الخامس .
فالجهل المركب ليس هو علمٌ فقط ، بل أيضاً تصديقٌ جازم و لكنّه غيرُ مطابقٍ للواقع .
من هنا تتضح لنا النسبة بين العلم الجازم أو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع و بين الاعتقاد الجازم غير المطابق للواقع هي نسبةُ الضدّين لا نسبة العدم و الملكة ، لأنّ تلك هي ليس عدم العلم بل هي علمٌ و لكن غير مطابق للواقع .
قال : " الجهل البسيط يُقابل العلم تقابل العدم و الملكة و الجهل المركب يُقابلُه تقابل الضدّين " هذه عبارة المحقّق الطوسي ( رحمةُ الله تعالى عليه ) في الجزء الأول من " الإشارات " الصفحة ( 23 ) .
فالجهل البسيط يقابل العلم تقابل العدم و الملكة ، أمّا الجهل المركب فيقابل العلم تقابل الضدّين ... و للمزيد يراجع المصادر التالية ، بل أنا أقول ـ على حسب التذكّر ـ أنّني لم أجد قائلاً بهذا القول الذي ذهب إليه المصنّف .
( فيجعله من أقسامه ) : أي فيجعل الجهل المركب من أقسام العلم .
( نظراً إلى أنّه ) : أي الجهل المركّب .
( ( يتضمن الاعتقاد و الجزم و إن خالف الواقع . و لكنّا إذا دقّقنا تعريف العلم نعرف ابتعاد هذا الزعم عن الصّواب ) : و الذي هو ـ أي الزعم الخاطيء ـ أنّ الجهلَ المركّب من العلم .
( و أنّه ـ أي هذا الزعم ـ من الجهل المركّب ) : فإذن ، هؤلاء الذين يقولون أنّ الجهل المركّب من العلم ، يقول المصنّف : هؤلاء ـ القائلون بأنّ الجهل المركّب من العلم ـ لديهم جهلٌ مركّب ، و اتّضح ممّا سبق بيانهُ ـ أنّ الجهل المركّب أين ؟
( لأنّ معنى ( حضور صورة الشيء عند العقل ) أن تحضر صورة نفس ذلك الشيء ) : نفسُ هذا الدليل الذي أقمناه خيرُ دليل على أنّ الجهل المركّب من أقسام العلم ، لماذا ؟ نقول : أنت لو سئلت الشيخ المظفّر و قلت له : أنت عالمٌ بهذا أو جاهل ؟ فإنه يقول : عالمٌ ، مع أنّه غير مطابق للواقع كما ثبت فإذن ، العلم لا يُشترط فيه المطابقة للواقع ، و لا يمسُّ هذا بجلالة و قدر الشيخ المظفر ( رحمةُ الله تعالى عليه ) .
( أمّا إذا حضرت صورةُ غيره بزعم أنّها صورته ) : أي تلك الصورة هي صورة الشيء .
( فلم تحضر صورة الشيء ، بل صورة شيء آخر زاعماً أنها هي ) : أي ، التي حضرت عنده هي أنّها ـ هذه الصورة ـ هي الواقع الخارجي .
النصّ :
} و هذا هو حال الجهل المركب ، فلا يدخل تحت تعريف العلم ، فمن يعتقد أنّ الأرض مسطّحة لم تحضر عنده صورة النسبة الواقعيّة و هي أنّ الأرض كرويّة ، و إنّما حضرت صورة نسبة أُخرى يتخيّل أنّها الواقع .
و في الحقيقة : أنّ الجهل المركب يتخيّل صاحبه أنّه من العلم ، و لكنّه ليس بعلم . و كيف يصحّ أن يكون الشيء من أقسام مقابله ؟
و الاعتقاد لا يغيّر الحقائق ، فالشبح من بعيد الذي يعتقده الناظر إنساناً و هو ليس بإنسان لا يُصيّره الاعتقاد إنساناً على الحقيقة { .
ــــــــــــــــــــ0
الشرح :
( و هذا هو حالُ الجهل المركب ) : هذا هو الدليل الأول .
( فلا يدخلُ تحت تعريف العلم ) : أي ، الجهل المركب لا يدخل تحت تعريف العلم .
( فمن اعتقد أنّّ الأرض مسطحة لم تحضُر عنده صورة النسبة الواقعيّة و هي أنّ الأرض كرويّة ) : و من هنا يتضح لكم لماذا فيما سبق قال ، أنّ التصديق أو اليقين بالمعنى الأعمّ ، هو : الاعتقاد الراجح للواقع حتّى يخرج الجهل المركب ، و نحن هناك قلنا فيما سبق في الحاشية أنّ هذا التعريف لليقين بالمعنى الأعمّ أنّه غيرُ تامٍّ .
( و إنّما حضرت صورة نسبةٍ أُخرى يتخيّل أنّها الواقع ) : أي يتخيّل أنّ تلك النسبة أو الصورة هي الواقع . هذا الدليل الأول ، قال :
( و في الحقيقة أنّ الجهل المركّب يتخيّل صاحبَه أنّه من العلم ، و لكنّه ليس من العلم ) : يعني ليس بعلمٍ بالمعنى الخامس من معاني العلم المتقدمة لا أنّه ليس بعلمٍ مطلقاً .
( و كيف ) : هذا دليلُه الثاني :
( يصحّ أن يكون الشيء من أقسام مقابله ؟ ) : أجبنا على هذا الكلام نقضاً و حلاًّ ، فإنّ الوهمَ و الشكّ من أقسام الجهل و مع ذلك هما من أقسام التصوّر .
( و الاعتقاد لا يغيّر الحقائق ، فالشبح من بعيد الذي يعتقده الناظر إنساناً و هو ليس بإنسانٍ لا يُصيّره الاعتقاد إنساناً على الحقيقة ) : تبيّن ممّا تقدّم أنّ الصحيح هو أنّ الجهلَ البسيط ينقسمُ إلى تصوّري و تصديقي ، و أنّ الجهلَ المركّب داخلُ في أقسام العلم بالمعنى الرابع و إن كان خارجاً من العلم بالمعنى الخامس . و الحمدُ لله ربّ العالمين . انتهينا من كتابة هذه المحاضرة في مساء الجمعة ليلة السبت الموافق 4 / 3 / 2005 : المصادف 23 / محرّم / 1426 هـ .
و به نستعين
النصّ :
} و الجهل على قسمين كما أنّ العلم على قسمين ، لأنّه يُقابل العلم فيبادلَه في موارده ، فتارةً يُبادل التصوّر أي يكون في مورده ، و أُخرى يُبادل التصديق أي يكون في مورده ، فيصحّ بالمناسبة أن نُسمّي الأول ( الجهل التصوّري ) ، و الثاني ( الجهل التصديقيّ ) { .
ـــــــــــــــــــ0
الشرح :
إشارة لما سبق ، و مقدِّمة لهذا المطلب :
كان الكلامُ في أقسام الجهل ، و قلنا فيما سبق بأنّ العلم ينقسم إلى التصوّر و التصديق ، و بيّنا ما هي الموارد التي يتعلّقُ بها التصوّر و ما هي تلك الموارد التي يتعلّقُ بها التصديق ؛ و أمّا ما هو الجهل فقد بيّنا بأنّ الجهلَ هو عدمُ العلم ، فإذن ، النسبةُ بين الجهل و العلم هي نسبةُ العدم و الملكة ، و الفرقُ بين العدم المطلق و بين عدم الملكة ، بيانُه ـ إنشاء الله سيأتي في محلّه في كلامنا عن الفرق بين النقيضين و عدم الملكة ما هو ، و لكّنه بنحو الإجمال ، عدم الملكة يعني يصحّ وجود الملكة ، يعني لا نقول هذا الكتابُ جاهلٌ ، لا يصحُّ هذا الإطلاق ، لماذا ؟ نقول : لا يصحّ ، باعتبار أنّ العلم لا يصحُّ في هذا المورد ، حيثُ أنّه لا يصدُقُ على هذا المورد أنّه عالمٌ فإذن عدمُ العلم أيضاً لا يصدُقُ على هذا المورد فلا يصدُقُ أنّه جاهلٌ ، لا يُطلقُ على هذا الكتاب أنّه أعمى ، باعتبار أنّه لا يصحُّ البصرُ هنا في الكتاب .
إذن ، عدمُ الملكة إنّما يصحُّ في موردٍ تصحُّ الملكة في ذلك المورد ، و مع عدم تحقّق الملكة في ذلك المورد فلا يصحُّ عدم الملكة أيضاً ، فإذن ، الجهل الذي هو عدمُ العلم ليس المرادُ من الجهل عدمُ العلم مطلقاً و إلاّ لو كان المرادُ من الجهل عدمُ العلم مطلقاً ، فالكتاب ليس بعالم و لمّا لم يكن عالماً فلا بدّ أن يصدُق أنّه جاهلٌ مع أنّه لا يصدُق أن نقول هذا الكتاب جاهلٌ ، فإذن ، ليس المرادُ من الجهل عدمُ العلم مطلقاً و إلاّ لصدُق الجهلُ و الجاهلُ على الجدار ، بل المرادُ من الجهل عدمُ العلم في موردٍ يصحُّ فيه العلم كالإنسان فإنّه يصدُقُ عليه أنّه جاهلٌ ، و يصدُقُ عليه أنّه أعمى ، و السبب لأنّه يصحُّ في الإنسان العلم فيُقالُ عالمٌ ، و يصحُّ فيه البصر فيُقالُ بصيرٌ .
الآن ، هنا نأتي إلى العلم ، و نحن قلنا أنّه : عندنا علمٌ تصوّري ، و عندنا علمٌ تصديقي ، و إذا كان عندنا للعلم علمٌ تصوّري، و عندنا علمٌ تصديقي ، فإنّه أيضاً يكون عندنا للجهل : جهلٌ تصوّري في قبال العلم التصوّري لأنّ الجهل التصوّري قسمٌ من أقسام العلم ، و جهلٌ تصديقيّ في قبال العلم التصديقي لأنّ الجهل التصديقيّ أيضاً قسمٌ من أقسام العلم ؛ فالجهلُ يكونُ جهلاً تصديقيّاً .
و من هنا قالوا : بأنّ الأعدام بما هي أعدام لا تتمايز ، العدم بما هو عدمٌ لا ميّز فيه ، لماذا ؟ قالوا : لأنّ العدم ليس بشيء ، نعم الأشياء تتمايز ، الموجودات تتمايز بعضُها عن بعض ، تقول : هذا الموجود غيرُ هذا الموجود ، أمّا المعدوم فهل يتمايز أو لا يتمايز ؟ قالوا : العدمُ المطلق ، العدم لا يتمايز و لكن إذا نسبت العدم إلى وجودٍ فإنّه يتمايز كما لوقلتُ : أنّ عدم البصر هو غيرُ عدم السّمع ، فعدم البصر نحو من عدم ، و عدم السّمع نحو آخر من عدم و هي أقسامُ الملكات ، إلاّ أنّه هناـ المصنّف ـ الشيخ المظفر ( رحمةُ الله تعالى عليه ) يقول : و الجهل ينقسم إلى جهل تصوّري و إلى جهل تصديقي ، فهه العبارة ( و الجهلُ ) أعمُّ من أن يكون جهلاً بسيطاً أو جهلاً مركّباً ، فكأنّ المصنّف يُريد أن يقول : أنّ الجهل مطلقاً أعمُّ من أن يكون بسيطاً أو أن يكونَ مركّباً .
الجهل البسيط و الجهل المركّب :
ــــــــــــ
الجهل البسيط : هو أن تجهَلَ بشيءٍ و تعلمُ أنّك جاهلٌ به ، إذن ، يوجدُ عندك هنا جهلين أو جهلٌ واحد ؟ نقول : حهلٌ واحد و لنُسمّيه جهلاً بسيطاً ، لماذا ؟ لأنّك عالمٌ بجهلك ، أنت جاهلٌ بأنّ زوايا المثلث تساوي قائمتين ، فهنا أنت جاهلٌ ، و لكن تجهل أنّك تعلم ؟ يقول : بأنّ الجهل البسيط هو المركّب من جهلٍ و علمٍ ـ بعد ذلك إنشاء الله سنرى المفارقة ـ إذن ، هو جهلٌ بسيط و لكن تبيّن أنّه مركّبٌ من جهلٍ و من علمٍ ، توجد هنا مفارقة سنُبيّنُها .
الجهل المركّب : و هو أن تجهلَ الشيء : تجهل هنا ليس بمعنى تغفل و إنّما بمعنى تعلمُ أنّك عالمٌ ، يعني تعتقدُ أنّك عالمٌ و لست بجاهل ، لا بمعنى تجهل أنّك جاهلٌ ، و إلاّ لو علمت بأنّك جاهلٌ يكون هذا جهلٌ بسيط لا مركّب : فإذن ، الجهل هنا صار جهلٌ واحد أو جهلين ؟ نقول : جهلين و هما : جهلٌ بالواقع و جهلٌ بأنّك تجهل الواقع ، و الآن توضّح الفرق بين الجهل البسيط و الجهل المركّب .
هنا عبارة الماتن ، يقول ( و الجهلُ ) : يعني ( الجهل ) أعمّ من أن يكون بسيطاً أو أن يكون مركّباً ، و الجهل ينقسم إلى : جهلٍ تصوّري و إلى جهلٍ تصديقي ، و لكنّ هذا الكلام على إطلاقه غيرُ تامٍّ ، لأنّ الذي ينقسمُ إلى التصوّري و إلى التصديقي هو الجهل البسيط و ليس الأعمّ من من البسيط و المركّب ـ الجهل مطلقاً ـ ، و السبب : باعتبار أنّ الجهل المركّب قسمٌ من أقسام التصديق فيكونُ داخلاً في العلم لا أنّه يكون داخلاً في الجهل .
إعادة للمطلب :
ـــــــ
أنّ الجهلَ المركّب هل فيه اعتقادٌ بأنني عالمٌ أو لا يوجدُ اعتقاد ، و نحن ـ فيما سبق ـ عرّفنا اليقين بالمعنى الأعمّ بأنّه : الإعتقادُ الجازم ، و لم نشترط فيه المطابقة للواقع ، و هنا في " الجهل المركّب " هل يوجدُ اعتقادٌ جازم أو لا يوجد اعتقادٌ جازم ؟ و هل هو من أقسام العلم أو من أقسام الجهل ؟ فيكون من أقسام العلم ، فيكون من أقسام اليقين ، من أقسام التصديق ، و إذا صار من أقسام التصديق فالجهل المركّب يكون داخلاً في بحث الجهل أو في بحث العلم ؟ إذن ، الجهل إمّا تصوّري و إمّا تصديقي ، فهنا يكون في العلم البسيط لا في الجهل الأعمّ من الجهل البسيط و الجهل المركّب ـ الجهل مطلقاً ـ .
و شاهدُه : ما ذكره الشيخ الرئيس ( رحمةُ الله تعالى عليه ) في كتاب " الإشارات " في الجزء الأول ، الصفحة 23 ، هناك قال : الجهلُ البسيط يُقابلُ العلم و ليس الجهل يُقابل العلم تقابُل العدم و الملكة ، و هنا عبارة المصنّف أن تكون لا يقابل العلم تقابل العدم و الملكة ، و لكنّه عبارة الشيخ في " الإشارات " أنّ الجهل البسيط يُقابلُ العلم تقابل العدم و الملكة ، أمّا الجهل المركّب فلا يُقابل العلم تقابل العدم و الملكة بل يُقابلُ العلم تقابل الضدّين ، و سنُبيّنُه بعد ذلك .
إذن ، المطلب الأول في عبارة الشيخ المظفر ( رحمةُ الله تعالى عليه ) لا بدّ أن تكون : و الجهلُ البسيط على قسمين ، لا الجهلُ على قسمين باعتبار أنّ الجهل المركّب ليس من أقسام الجهل بل هو من أقسام العلم و إن قال هو بعد ذلك بأنّ الجهل المركّب هو في قبال العلم ، بل سنُثبِتُ له بأنّ الجهل المركّب هو علمٌ و ليس أنّه في قبال العلم .
( و الجهلُ على قسمين كما أنّ العلم على قسمين ) : قلنا فيما سبق ، تصحيح العبارة يجب أن يكون هكذا : " و الجهل البسيط على قسمين " جهلٌ تصوّري و جهلٌ تصديقيّ ، و هذه هي أقسام الجهل البسيط الذي نسبتُه إلى العلم نسبةُ العدم و الملكة .
( لأنّه ) : أي الجهل البسيط .
( يقابل العلم ) : تقابل العدم و الملكة ، فإذن تبيّن أنّ الجهل البسيط هو الذي يقابل العدم و الملكة و ليس مطلق الجهل، فإنّ الجهل المركّب قسمٌ من أقسام العلم لا أنّه يُقابل العلم تقابل العدم و الملكة .
( فيبادلُه في موارده ، فتارةً يبادل التصوّر ) : علمٌ تصوّري قباله عدم ملكة ، و عدمُ علمٍ تصوّري نُسمّيه " الجهل التصوّريّ " .
( أي يكونُ في مورده ) : أي في مورد التصوّر .
( و أُخرى يبادل التصديق أي يكون في مورده ) : أي في مورد التصديق ، علمٌ تصديقيّ قباله عدمُ العلم التصديقي ، يعني " الجهل التصديقيّ " .
( فيصُحُّ بالمناسبة أن نُسمّي الأول " الجهل التصوّري " ، و الثاني " الجهل التصديقيّ " ) : إلى هنا اتّضح لنا بأنّ الجهل البسيط ينقسم إلى الجهل التصوّري و إلى الجهل التصديقيّ .
النصّ :
} ثمّ إنّهم يقولون إنّ الجهل ينقسم إلى قسمين : بسيط و مركّب ، و في الحقيقة أنّ الجهل التصديقيّ خاصّة هو الذي ينقسم إليهما ، و لهذا اقتضى أن نقسّم الجهل إلى تصوّري و تصديقيّ ، و نُسمّيهما بهذه التسمية . أمّا الجهل التصوّري فلا يكون إلاّ بسيطاً ، كما سيتّضح { .
ـــــــــــــــ0
الشرح :
( ثمّ إنّهم يقولون ... ) : هذه العبارة أيضاً غيرُ تامّةٍ ، لماذا ؟ الآن ، أولاً نبيّن ماذا يُريد المصنّف أن يقول ، يقول الشيخ المنظفر ( رحمةُ الله تعالى عليه ) : " بأنّ الجهل ينقسمُ إلى بسيطٍ و مركّب " هذا التقسيم كان ينبغي أن يجعله أولاً و ليس الآن يجعله ، يعني أولاً يُقسّم الجهل إلى بسيط و مركّب ، ثمّ يقول : البسيط إمّا تصوّري و إمّا تصديقي ، و ليس أن يقول : الجهل كذا ثمّ يُقسّمُه إلى جهلٍ تصوّري و إلى جهلٍ تصديقيّ .
( ثمّ إنّهم ) : أي المناطقة .
( يقولون : إنّ الجهل ينقسم إلى قسمين : بسيط و مركّب ، و في الحقيقة أنّ الجهل التصديقي خاصّة هو الذي ينقسم إليهما ) : أي يريد المصنّف أن يقول : هذا الإنقسام إلى بسيط و مركّب ، في الجهل التصديقي نحن عندنا جهل بسيط و جهل مركّب ، أمّا في الجهل التصوّري فلا يوجد عندنا جهل بسيط و جهل مركّب ؛ فإذن ، تقسيمُ الجهل إلى بسيطٍ و مركّب ، هذا التقسيم مختصٌّ بالجهل التصديقي لا أنّه تقسيمٌ للجهل التصوّري و التصديقي معاً . و أمّا الجهل التصوّري فلا يكون إلاّ بسيطاً
سؤال / الجهل التصوّري يُمكن أن يكونَ مركّباً أو لا يُمكن أن يكون مركّباً ؟ نقول : لا يُمكن ، لماذا لا يُمكن ؟ نقول : لأنّه نحن في الجهل المركّب يوجد عندنا تصديق ، أمّا في الجهل البسيط فإنّه أساساً تصديق لا يوجد عندنا ، فإذن لا يُعقل أن يكون الجهل التصديقي في غير الجهل المركّب .
إذن ، المصنّف يُريد أن يقول : بأنّ الجهل التصديقي هو الذي ينقسم إلى بسيطٍ و إلى مركّب ، لأنّ الجهل التصديقي يوجد فيه تصديق فيُمكن أن يكون بسيطاً و يُمكن أن يكون مركّباً و ذلك لوجود التصديق فيه ، و لكن الجهل التصوّري لا يوجدُ فيه تصديق ، و إذ لم يوجد فيه تصديق فلا معنى لأنْ ينقسمَ إلى بسيطٍ و إلى مركّب .
( أمّا الجهل التصوّري فلا يكون إلاّ بسيطاً ) : لماذا ؟ نقول : باعتبار أنّ الجهل الاتصوريّ لا يوجد فيه تصديق حتّى يكون فيه جهلاً مركّباً .
النصّ :
} و لنبيّن القسمين ، فنقول :
الجهل البسيط : أن يجهل الإنسان شيئاً و هو ملتفتٌ إلى جهله ، قيعلم أنّه لا يعلم ، كجهلنا بوجود السكّان في المرّيخ ، فإنّا نجهل ذلك ، و نعلم بجهلنا ، فليس لنا إلاّ جهلٌ واحد { .
ــــــــــــــــ0
الشرح :
الجهل البسيط : أن يجهل الإنسان شيئاً و هو ملتفتٌ إلى جهله ، يعني عالمٌ بجهله .
الجهل المركّب : أن يجهلَ الإنسان شيئاً و يعتقد أنّه عالمٌ بذلك الشيء .
سؤال / و هو أنّه سيأتي من المصنّف ـ بعد ذلك ـ لكي تكونُ القسمةُ صحيحة لا بدّ أن تكونَ جامعة و مانعة ، و هنا تقسيمُ الجهل إلى البسيط و إلى المركّب ، هل هذه القسمة قسمة جامعة مانعة أو ليست جامعة مانعة ؟ المفروض أن تكون جامعة مانعة ، لماذا ؟ نقول : لأنّ العلمَ هنا جامعٌ مانعٌ ، هناك عندما قلنا : أنّ العلم إمّا تصوّرٌ و إمّا تصديق ، كان العلم جامعاً مانعاً ، و هنا أيضاً لا بدّ أن يكون الجهل جامعاً مانعاً ؛ و لكن على هذا المعنى الذي ذكره للجهل البسيط لا يكونُ الجهلُ جامعاً مانعاً .
أمّا لماذا لا يكون جامعاً ؟ نقول : لو كان جاهلاً و غافلاً عن جهله ، فهنا لا يدخل في الجهل البسيط و لا في الجهل المركّب ، لأنّ الجهل البسيط هو الإلتفاتُ إلى جهله و هنا هذا غافلٌ عن جهله ، و الجهل المركّب هو الإعتقادُ بأنّه عالمٌ و هنا هذا غافلٌ عن تلك المسألة ، فإذن ، يبقى عندنا " الجاهل الغافل " و الجاهل الغافل لا هو داخلٌ في الجهل البسيط و لا هو داخلٌ في الجهل المركّب ، فلا يكونُ الحصرُ جامعاً .
إذن ، هذا التفسير الذي ذكره المصنّف للجهل البسيط غيرُ تامٍّ ، و إنّما التفسير الصحيح للجهل البسيط هو : أن يجهلَ الشيء سواءٌ التفت إلى جهله أو غفلَ عن جهله .
فإذاُ ، الجهلُ البسيط ، هو : عدمُ ملكة العلم سواءٌ التفتَ الجاهلُ إلى جهله و عَلِمَ بأنّه جاهلٌ أو كان غافلاً عن جهله . هذا هو الجهلُ البسيط و في قباله يكون الجهل المركّب ، و هو : الذي يجهل الشيء و يعتقدُ أنّه عالمٌ بذلك الشيء ، و في هذا يكون الحصرُ حصراً جامعاً ، و القسمةُ تكونُ قسمةً عقليّة ، و إلاّ لو كان الأمرُ على ما ذكره المصنّف لم يصُحْ تقسيمُ الجهلِ إلى البسيط و المركّب ، فإنّ التقسيم بناءً على هذا المعنى لا يكونُ حاصراً و ذلك لخروج الجاهل الغافل ، و سيأتي من المصنّف ـ إنشاء الله تعالى ـ بعد ذلك ، أنّ التقسيم لكي يكونَ صحيحاً لا بدّ أن يكونَ جامعاً مانعاً ، و هنا هذا التقسيمُ لا يكونُ جامعاً .
إذاُ ، نُصحّح هذا " الجهل البسيط " بالقول هكذا : أنّه " أن يجهل الإنسانُ شيئاً سواءٌ التفت إلى جهله أم كان غافلاً عن جهله " .
( الجهل البسيط : أن يجهل الإنسان شيئاً و هو ملتفتٌ إلى جهله ) : تبيّن أنّ هذا التعريف غيرُ تامّ .
ملاحظة : ليكن في علم الأُخوة ، أنّه العلم أيضاً قد يكونُ علماً بسيطاً و قد يكونُ علماً مركّباً .
العلم البسيط ، هو : العلم الحُضوري ، فإذا علمت بعلمك فيكونُ علمُك مركّباً ، عالمٌ و تعلمُ أنّك عالمٌ ؛ فمرّةً الإنسان لديه علم و لكنه غافلٌ عن أنّه يعلم به ، أنت تعلم أنّ اثنين زائد اثنين يساوي : أربعة ، و لكن أنت غير ملتفتٍ إلى علمك بنتيجة جمع هذين العددين ، فأنت غافلٌ عن علمك ، و لذا نقول أنّ العلم الحضوري قد يحصلُ غفلةً عنه بلحاظ العلم الحصوليّ ، و من هنا بعض الأُخوة سئلوا ، سيّدنا : بأنّ العلم الحضوري إذا كان فكيف ينسجمُ مع الغفلة ؟ قلنا : العلم الحضوري لا ينسجمُ مع الغفلة و لكن ينسجم مع الغفلة عنه ، يعني تعلم و لكن لا تعلم أنّك تعلم ، أي جاهلٌ بأنّك تعلم ، هذا نُسمّيه " علم بسيط " ، و أمّا العلم بأنّك عالم فنُسمّيه " علم مركّب " .
النصّ :
} الجهل المركّب : أن يجهل شيئاً و هو غيرُ ملتفتٍ إلى أنّه جاهلٌ به ، بل يعتقد أنّه من أهل العلم به ، فلا يعلم أنّه لا يعلم ، كأهل الإعتقادات الفاسدة الذين يحسبون أنّهم عالمون بالحقائق ، و هم جاهلون بها في الواقع .
و يسمّون هذا مركّباً ، لأنّه يتركّب من جهلين : الجهل بالواقع و الجهل بهذا الجهل . و هو أقبحُ و أهجنُ القسمين . و يختصّ هذا في مورد التصديق ، لأنّه لا يكونُ إلاّ مع الاعتقاد { .
ــــــــــــــــــ0
الشرح :
هؤلاء أصحاب الجهل المركّب ، و كم لهم نظير خصوصاً بين العلماء بالمعنى الأعمّ لا العلماء بالمعنى الأخصّ ، و هو أنّ الإنسان يتصوّر مطلباً ما أنّه هو الصحيح و لكن في الواقع هو جاهلٌ به و جاهلٌ بأنّ هذا الذي يعلمُه باطل .
( و يختصّ هذا في مورد التصديق ، لأنّه لا يكونُ إلاّ مع الاعتقاد ) : أي باعتبار أنّه في التصديق يوجدُ اعتقدٌ بأنّه عالمٌ ، قال : لأنّه لا يكونُ إلاّ مع الاعتقاد .
إذن ، إلى هنا ، المصنّف ( رحمةُ الله تعالى عليه ) بيّن الجهلَ البسيط و الجهلَ المركّب ؛ و لكنّه لا بدّ أن نقول : بأنّ الجهلَ البسيط هو الذي ينقسمُ إلى التصوّري و إلى التصديقي ، أمّا الجهل المركّب فهو ليس من أقسام الجهل بل هو من أقسام العلم .
نكتة مهمّة :
ــــ
نحن بماذا عرّفنا الجهل ؟ نحن عرّفنا الجهل بأنّه : عدمُ العلم ، و في الجهل المركّب يوجدُ عدم العلم أو يوجد اعتقادٌ بالشيء ؟ نقول : في الجهل المركّب يوجدُ علمٌ و إن كان العلم الموجود فيه غيرُ مطابقٍ للواقع ، فإذن ، الجهل المركّب من أقسام الجهل أو أنّه خارجٌ من الجهل ؟ نقول : خارجٌ من الجهل ، لأنّه يقين بالمعنى الأعمّ ، و اليقين بالمعنى الأعمّ ، هو : الاعتقاد الجازم أعمُّ من أن يكونَ مطابقاً للواقع أو أن يكونَ مخالفاً للواقع ، إذن ، الاعتقاد الجازم الذي هو علمٌ ، تصديقٌ ، قسمان : قسمٌ منه يُطابق الواقع ، و قسمٌ منه يُخالف الواقع ، و لكن كلاهما علمٌ و كلاهما تصديق ، و النسبةو بينهما هي نسبةُ المتضادّين لا نسبة العدم و الملكة ، لأنّ الجهل المركّب ليس عدمُ العلم ، و لكنّه اعتقادٌ ، أي علمٌ و لكنه غير مطابقٍ للواقع ، فالنسبةُ بين العلم المطابق للواقع و العلمِ غيرِ المطابق للواقع هي نسبةُ التضادّ ، و من هنا فإنّ العلم غير المطابق للواقع ، يعني الجهل المركّب يكونُ خارجاً من الجهل و من أقسام الجهل ، لأنّ الجهلَ هو عدمُ العلم ، و أيُّ جهلٍ هو عدمُ العلم ؟ نقول : الجهل الذي هو عدمُ علمٍ هو الجهل البسيط لا الأعمُّ من البسيط و المركّب .
فلهذا ، هذه العبارة إذا أردتم تصحيحها ، و هي العبارة الأخيرة " البسيط و المركّب الذي جعله من أقسام الجهل " فالعبارة يجب أن تُصحّح هكذا : كما أنّ الجهلَ يُطلقُ على ما يقابل العلم تقابل العدم و الملكة و هو الذي يُسمّى بالجهل البسيط يُطلقُ أيضاً على التصديق ـ أي هذا الجهل يُطلقُ أيضاً على التصديق ـ الجازم الذي لا يُخالفُ الواقع و يقابل العلم بمعنى التصديق الجازم المطابق للواقع و لكن يُقابلُه تقابل التضادّ لا تقابل العدم و الملكة .
فالجهلُ مشتركٌ لفظي بين البسيط و بين المركّب ؛ و لعلّ منشأ وقوع الشيخ المصنّف ( رحمةُ الله تعالى عليه ) في الخلط هو هذا الإشتراك اللفظي في الجهل ، فإنّ المصنّف تصوّر أنّ الجهل له معنىٍ واحد و هو عدمُ العلم ، و تبيّن خلاف ما تصوّره و هو أنّ الجهل له معنيان : " عدمُ العلم " ، و " الاعتقاد غير المطابق للواقع " و هذا الاعتقاد أيضاً علمٌ و لكنه غيرُ مطابقٍ للواقع .
نأتي الآن إلى محِلّ الكلام :
النصّ :
} ليس الجهل المركّب من العلم :
يزعُم بعضهم دخول الجهل المركّب في العلم ، فيجعله من أقسامه ، نظراً إلى أنّه يتضمن الاعتقاد و الجزم و إن خالف الواقع . و لكنّا إذا دققنا تعريف العلم نعرف ابتعاد هذا الزعم عن الصواب ، و أنه أي هذا الزعم من الجهل المركب ، لأنّ معنى ( حضور صورة الشيء عند العقل ) أن تحضر صورة نفس ذلك الشيء ، أمّا إذا حضرت صورة غيره بزعم أنها صورته فلم تحضر صورة الشيء ، بل صورة شيء آخر زاعماً أنها هي { .
ـــــــــــــــــ0
الشرح :
هنا الشيخ المصنّف ( رحمةُ الله تعالى عليه ) يقول : ليس الجهل المركّب من العلم ، لماذا ؟ يقول ، بدليلين :
الدليل الأول : ( يعني يريد أن يجعل الجهل المركّب في قبال العلم ) يعني يُدخله في " عدم الملكة " لا في التضادّ : هو تعريفُ العلم ، فتعريف العلم ، هو : حضور صورة الشيء عند العالم ، و في الجهل المركّب لم تحضر صورة الشيء و إنما حضرت صورةُ شيءٍ يعتقدُ أنّها في الواقع و هي ليست موجودة في الواقع . هذا الدليل الأول .
الدليل الثاني : أنّ الجهل في قبال العلم أو لا ؟ نعم ، لأنّ الجهل في قبال العلم ، فإذا قلنا أنّ الجهلَ المركّب علمٌ يلزم أن يكونَ الجهلَ المركّب قسماً من أقسام مقابلِه ، و هو محالٌ ، أنت عندما تقول : الكلمةُ إمّا إسمٌ أو فعلٌ أو حرف ، فهذه القسمة تقول : أنّ الكلمة عندما صارت اسماً فهل يُمكن أن تكون فعلاً ؟ و إذا صار الإسمُ فعلاً فإنّ التقسيم غير مصيب ، لماذا ؟ لكون بعض الأقسام داخلاً في القسم الآخر ، و أنت عندما قلت : العلمُ يُقابلُه الجهل فالجهل هو " عدمُ العلم " فلو جئنا إلى الجهل المركّب و قلنا هو " علمٌ " فإنه يلزم أن يكونَ هذا القسم من أقسام مقابله ، و هو محالٌ .
إذن ، دليلُ المصنّف ( رحمةُ الله تعالى عليه ) باختصار هو :
أولاً / ما هو تعريفُ العلم ؟ يقول : لا يصدُق على الجهل المركّب .
ثانياً / أنّه يلزمُ أن يكون الجهلُ قسماً من أقسام مقابله و هو العلم ، مع أنّ الجهل يُقابلُ العلم .
و ذلك لوجهين :
أمّا النقض ، نُجيبُ على هذا الاستدلال بجوابين :
الجواب الأول : نسأل منكم ، أنّ الوهمَ و الشكّ هل هما من أقسام الجهل أو من أقسام العلم ؟ تعالوا معنا إلى الصفحة ( 18 ) قال ( تنبيهٌ ) : " يُعرفُ ممّا تقدّم أمران : أنّ الوهم و الشكّ ليسا من أقسام التصديق بل هما من أقسام الجهل " فإذا كان الوهم و الشكّ من أقسام الجهل ـ كما قال المصنّف فيما سبق ـ ثمّ أنّ الوهم و الشكّ علمٌ أو جهلٌ ؟ علمٌ ، لأنّه من أقسام التصوّر و التصوّر قسمٌ من أقسام العلم .
إذن ، الجواب النقضي له أنّه : شيخنا أنت قلت في الصفحة ( 18 ) أنّ الوهم و الشكّ مع أنّهما من أقسام الجهل داخلان في العلم التصوّري ، و هذال معناه أنّه ينسجم أن يكونَ من أقسام الجهل التصديقي و إن كان من أقسام العلم التصوّري ، و إذا تتذكّرون أننا هناك قيّدناه ، قلنا قيّدوه أنّ هذا من أقسام الجهل التصديقي و إلاّ هو داخل في أقسام العلم التصوّري ، مع أنّه ينسجم الجهل مع العلم بقرينة ما تقدّم . الآن نحن الجواب النقضي لا حاجة لنا به . بل المهم هو نأتي إلى الجواب الحلّي ، و هو أنّه : هذا الاشكال الذي ذكره ـ باعتبار أنّه يحملُ حملة شعواء على الذين يقولون أنّ الجهل المركّب هو من أقسام العلم ـ يقول : و هذا الدعم من الجهل المركب ، يقول : من يدّعي أنّ الجهل المركب من أقسام العلم فهو جاهلٌ مركّب .
هذه الحملة منة المصنّف ، تستحق الوقوف عندها ، و هو : أنّه شيخنا لنرى أنّ الجهل المركّب هل هو في المقابل أو أنّ الجهل المركب في هذا ، نحن نريد أن نفهم المطلب يا شيخنا ! فمرّةً ـ يا شيخنا ـ أنت تبيّن المطلب فلا وجود لحملة ما لك على أحد ، و مرّة لديك هجوم على المقابل ، و المقابل هم أساطين المنطق ، لأنّ القائلين ـ بل كما سنُبيّن ـ لم نجد قائلاً بأنّ الجهل المركب ليس من أقسام العلم إلاّ الشيخ المظفّر ، كلّ المناطقة يُجمعون على أنّ الجهل المركب قسمٌ من أقسام العلم و ليس قسماً من أقسام الجهل ، باستثناء الشيخ المظفر . نقول : هنا فوائد يجب أن تكتبوها لستفيدوا منها في مواردها بالمقدر المرتبط بحديثنا :
معاني العلم
ــــ
المعنى الأول : فتارةً يُطلق العلم و يُراد منه مطلقُ العلم ، أي الأعمُّ من الحصولي و الحضوري ، أي مطلقُ الإنكشاف أعمُّ من أن يكون انكشاف وجود شيء أو انكشاف صورةُ الشيء ، هذا المعنى الأول يُطلق عليه العلم في كتب المناطقة و الفلاسفة .
المعنى الثاني : يُطلقُ العلم و يُرادُ منه معنىً أخصّ من الأول ، أي يُرادُ به مجرّد العلم الحصولي ، مطلقُ انكشاف صورة الشيء عند العالم ، فصورة الشيء يكون العلم الحصولي أخصُّ من النوع الأول فالأول يشمل الحصولي و الحضوري و هذا لا يشمل إلاّ العلم الحصولي . و هذ القسم الثاني أعمّ من التصوّر و من التصديق .
المعنى الثالث : الاعتقادُ الراجح سواءٌ كان يمنعُ من النقيض أو لا يمنعُ من النقيض ، و هذا هو المراد منه " التصديق " أي التصديق بالمعنى الأعمّ لا اليقين ، فنحن ـ قلنا فيما سبق ـ أنّ التصديق بالمعنى الأعمّ يشمل فردين هما : اليقين بالمعنى الأعمّ ، و الظنّ ؛ قد يُطلقُ العلم و يُراد منه مطلق الاعتقاد الراجح أعمٌّ من أن يكون مانعاً من النقيض أو لا يكون مانعاً من النقيض فيشمُلُ التصديق بالمعنى الأعمّ ، و التصديق بالمعنى الأعمّ هو : ما يشمل اليقين و أخصّ من المعنى الثاني للعلم ، باعتبار أنّ المعنى الثاني كان يشمل التصور و التصديق و هذاـ المعنى الثالث ـ مختصٌّ بالتصديق ، اكتبوا عندكم : مطلق الاعتقاد الراجح سواءٌ منع من النقيض أم لا ، و يُقال له " العلمُ بالمعنى الأعمّ " فيشمُلُ الظنّ و الجزم ، و هذا مرادفٌ للتصديق في قبال التصوّر ، فيكون أخصّ من المعنى الثاني .
المعنى الرابع : قد يُطلق العلم و يراد منه الاعتقاد الجازم المانع من النقيض ، فيخرج الظنّ ، باعتبار أنّه اعتقادٌ راجحٌ يمنعُ من النقيض الذي هو في قبال الاعتقاد و الذي هو ـ أي النقيض الذي في قبال الاعتقاد ـ الظنّ ، فالظنّ اعتقادٌ راجح و لكن لا يمنع من النقيض . هذا المعنى الرابع أخصُّ من المعنى الثالث ، لأنّ الثالث كان يشمل العلم ، اليقين المانع من النقيض ـ الظنّ ـ ، فإذن ، المعنى الرابع هو : الجزم ، و هو الاعتقاد الراجح المانع من النقيض ، و قد يُطلقُ عليه " العلمُ بالمعنى الأخصّ " و يُقابلُه " الظنّ " .
المعنى الخامس : و قد يُقالُ علمٌ و يراد به الاعتقاد الجازم المطابق للواقع ، فيخرج الجهل المركّب ، فإذن ، هذا المعنى الخامس من العلم يقابله الجهل المركّب .
المعنى السادس : و قد يراد من العلم : الاعتقاد الجازم المطابق للواقع الثابت لا عن تقلدٍ : يقابله ذلك الاعتقاد المطابق للواقع ، الثابت عن تقليد ، أي اليقين بالمعنى الأخصّ ، و هذا الذي هو يقين بالمعنى الأخصّ لا حاجة لنا به هنا ، بل نكتفي بالمعاني الخمسة . فصار لدينا للعلم خمسة معاني :
المعنى الأول : أعمُّها .
المعنى الثاني : أخصُّ من الأول .
المعنى الثالث : أخصُّ منهما ـ الأول و الثاني ـ .
المعنى الرابع : أخصُّ من الجميع ـ الأول و الثاني و الثالث ـ .
المعنى الخامس : أخصُّ من الأربعة السابقة .
الذي لا يُطلق عليه الجهل المركب من هذه المعاني المتقدّمة هو المعنى الخامس ، و أمّا المعاني الأربعة فيطلق عليها الجهل المركب .
فتصوّر الشيخ ( رحمةُ الله تعالى عليه ) إن لم يطلق عليه العلم بالمعنى الخامس فلا يُطلقُ عليه العلم مطلقاً و ليس الأمرُ كذلك فإنه لا يطلقُ عليه علم بالمعنى الخامس فقط و إلاّ فإنه يُطلقُ عليه العلم بالمعنى الرابع و الذي هو : الاعتقاد الجازم ، ففي المركّب يوجد لدينا اعتقادٌ جازم و لكن هذا الاعتقاد الجازم غير مطابق للواقع ، و في المعنى الرابع من معاني العلم نحن لا نريد المطابقة و عدم المطابقة بل نريد أنّ مطلق الاعتقاد الجازم هو علمٌ .
إذن ، الجهلُ المركّب هل هو من أقسام الجهل أو من أقسام العلم ؟ نقول : من أقسام العلم أولاً ، و لكن من أيّ قسم من أقسام العلم ؟ نقول : من أقسام الأول و الثاني و الثالث و الرابع ، فهذه كلّها بهذه المعاني يُطلقُ عليها علمٌ ، نعم ، لا يُطلقُ عليه ـ أي الجهل المركب ـ علمٌ بالمعنى الخامس و لا ضير فيه ، إذن ، مجرّد عدم انطباق الأخصّ لا يستلزمُ عدم انطباق الأعمّ .
و منشأ الخلط و المغالطة هو تصوّر الشيخ المصنّف ( رحمةُ الله تعالى عليه ) أنّ العلم له معنىً واحد و ليس الأمرُ كذلك ، فلهذا قال : عدم دخول الجهل المركب في العلم بالمعنى الخامس لا يستلزمُ خروجُ الجهل المركّب عن المعاني السابقة للعلم ، كما أنّ عدم دخول الظنّ في العلم بالمعنى الرابع لا يستلزمُ خروجه عن العلم بالمعنى الثالث و هكذا . فاتضح أنّ المغالطة نشأت من اشتراك لفظة العلم و أنّ الحقّ كونُ الجهل المركب علماً و لكن بالمعنى الرابع لا بالمعنى الخامس .
فالجهل المركب ليس هو علمٌ فقط ، بل أيضاً تصديقٌ جازم و لكنّه غيرُ مطابقٍ للواقع .
من هنا تتضح لنا النسبة بين العلم الجازم أو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع و بين الاعتقاد الجازم غير المطابق للواقع هي نسبةُ الضدّين لا نسبة العدم و الملكة ، لأنّ تلك هي ليس عدم العلم بل هي علمٌ و لكن غير مطابق للواقع .
قال : " الجهل البسيط يُقابل العلم تقابل العدم و الملكة و الجهل المركب يُقابلُه تقابل الضدّين " هذه عبارة المحقّق الطوسي ( رحمةُ الله تعالى عليه ) في الجزء الأول من " الإشارات " الصفحة ( 23 ) .
فالجهل البسيط يقابل العلم تقابل العدم و الملكة ، أمّا الجهل المركب فيقابل العلم تقابل الضدّين ... و للمزيد يراجع المصادر التالية ، بل أنا أقول ـ على حسب التذكّر ـ أنّني لم أجد قائلاً بهذا القول الذي ذهب إليه المصنّف .
( فيجعله من أقسامه ) : أي فيجعل الجهل المركب من أقسام العلم .
( نظراً إلى أنّه ) : أي الجهل المركّب .
( ( يتضمن الاعتقاد و الجزم و إن خالف الواقع . و لكنّا إذا دقّقنا تعريف العلم نعرف ابتعاد هذا الزعم عن الصّواب ) : و الذي هو ـ أي الزعم الخاطيء ـ أنّ الجهلَ المركّب من العلم .
( و أنّه ـ أي هذا الزعم ـ من الجهل المركّب ) : فإذن ، هؤلاء الذين يقولون أنّ الجهل المركّب من العلم ، يقول المصنّف : هؤلاء ـ القائلون بأنّ الجهل المركّب من العلم ـ لديهم جهلٌ مركّب ، و اتّضح ممّا سبق بيانهُ ـ أنّ الجهل المركّب أين ؟
( لأنّ معنى ( حضور صورة الشيء عند العقل ) أن تحضر صورة نفس ذلك الشيء ) : نفسُ هذا الدليل الذي أقمناه خيرُ دليل على أنّ الجهل المركّب من أقسام العلم ، لماذا ؟ نقول : أنت لو سئلت الشيخ المظفّر و قلت له : أنت عالمٌ بهذا أو جاهل ؟ فإنه يقول : عالمٌ ، مع أنّه غير مطابق للواقع كما ثبت فإذن ، العلم لا يُشترط فيه المطابقة للواقع ، و لا يمسُّ هذا بجلالة و قدر الشيخ المظفر ( رحمةُ الله تعالى عليه ) .
( أمّا إذا حضرت صورةُ غيره بزعم أنّها صورته ) : أي تلك الصورة هي صورة الشيء .
( فلم تحضر صورة الشيء ، بل صورة شيء آخر زاعماً أنها هي ) : أي ، التي حضرت عنده هي أنّها ـ هذه الصورة ـ هي الواقع الخارجي .
النصّ :
} و هذا هو حال الجهل المركب ، فلا يدخل تحت تعريف العلم ، فمن يعتقد أنّ الأرض مسطّحة لم تحضر عنده صورة النسبة الواقعيّة و هي أنّ الأرض كرويّة ، و إنّما حضرت صورة نسبة أُخرى يتخيّل أنّها الواقع .
و في الحقيقة : أنّ الجهل المركب يتخيّل صاحبه أنّه من العلم ، و لكنّه ليس بعلم . و كيف يصحّ أن يكون الشيء من أقسام مقابله ؟
و الاعتقاد لا يغيّر الحقائق ، فالشبح من بعيد الذي يعتقده الناظر إنساناً و هو ليس بإنسان لا يُصيّره الاعتقاد إنساناً على الحقيقة { .
ــــــــــــــــــــ0
الشرح :
( و هذا هو حالُ الجهل المركب ) : هذا هو الدليل الأول .
( فلا يدخلُ تحت تعريف العلم ) : أي ، الجهل المركب لا يدخل تحت تعريف العلم .
( فمن اعتقد أنّّ الأرض مسطحة لم تحضُر عنده صورة النسبة الواقعيّة و هي أنّ الأرض كرويّة ) : و من هنا يتضح لكم لماذا فيما سبق قال ، أنّ التصديق أو اليقين بالمعنى الأعمّ ، هو : الاعتقاد الراجح للواقع حتّى يخرج الجهل المركب ، و نحن هناك قلنا فيما سبق في الحاشية أنّ هذا التعريف لليقين بالمعنى الأعمّ أنّه غيرُ تامٍّ .
( و إنّما حضرت صورة نسبةٍ أُخرى يتخيّل أنّها الواقع ) : أي يتخيّل أنّ تلك النسبة أو الصورة هي الواقع . هذا الدليل الأول ، قال :
( و في الحقيقة أنّ الجهل المركّب يتخيّل صاحبَه أنّه من العلم ، و لكنّه ليس من العلم ) : يعني ليس بعلمٍ بالمعنى الخامس من معاني العلم المتقدمة لا أنّه ليس بعلمٍ مطلقاً .
( و كيف ) : هذا دليلُه الثاني :
( يصحّ أن يكون الشيء من أقسام مقابله ؟ ) : أجبنا على هذا الكلام نقضاً و حلاًّ ، فإنّ الوهمَ و الشكّ من أقسام الجهل و مع ذلك هما من أقسام التصوّر .
( و الاعتقاد لا يغيّر الحقائق ، فالشبح من بعيد الذي يعتقده الناظر إنساناً و هو ليس بإنسانٍ لا يُصيّره الاعتقاد إنساناً على الحقيقة ) : تبيّن ممّا تقدّم أنّ الصحيح هو أنّ الجهلَ البسيط ينقسمُ إلى تصوّري و تصديقي ، و أنّ الجهلَ المركّب داخلُ في أقسام العلم بالمعنى الرابع و إن كان خارجاً من العلم بالمعنى الخامس . و الحمدُ لله ربّ العالمين . انتهينا من كتابة هذه المحاضرة في مساء الجمعة ليلة السبت الموافق 4 / 3 / 2005 : المصادف 23 / محرّم / 1426 هـ .
المدير العام- Admin
-
عدد المساهمات : 501
نقاط : 2147483647
عضو مميز : 1
تاريخ التسجيل : 09/02/2010
العمر : 44
مواضيع مماثلة
» دروس في علم المنطق ـ المحاضرة الرابعة
» دروس في علم المنطق ـ المحاضرة السابعة
» دروس في علم المنطق ـ المحاضرة الثانية
» دروس في علم المنطق ـ المحاضرة السابعة
» دروس في علم المنطق ـ المحاضرة الثانية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء يوليو 08, 2014 6:16 pm من طرف السيد عبد الحسين الاعرجي
» زواج المتعة
الأربعاء فبراير 09, 2011 11:07 am من طرف حسين
» الى من يهمه الامر
الخميس نوفمبر 18, 2010 2:26 am من طرف احمد علي حسين العلي
» جبل يضع البيض في الصين
الأربعاء نوفمبر 10, 2010 9:31 am من طرف زائر
» لى من يهمه الامر
الأربعاء نوفمبر 03, 2010 9:30 am من طرف سمير محمود الطائي
» زرقاء اليما مه
الأربعاء سبتمبر 29, 2010 5:17 am من طرف سمير محمود الطائي
» الأخت المؤ منه ومشا كل العصر
الثلاثاء سبتمبر 28, 2010 1:59 am من طرف سمير محمود الطائي
» أعجوبة صورة الضحى
الثلاثاء سبتمبر 28, 2010 1:48 am من طرف سمير محمود الطائي
» با لحسين معا دلتي موزونه
الإثنين سبتمبر 27, 2010 6:30 pm من طرف سمير محمود الطائي